تركز جميع البنوك المركزية العالمية الكبرى بشكل غير صحي على أضيق نقاط البيانات. لقد وضع جميعها سياسة وفقا لمثال بقاء التضخم عند 2% على المدى المتوسط. ولطالما كان هذا غريباً لأن العالم لا يتبع مثل هذا النمط. لكن البنوك لا تستطيع حساب التضخم بشكل صحيح، كما يكشف ذلك ارتفاع التضخم المستشري حاليا. ولذا حان الوقت لإلغاء هذه الأهداف الصارمة ولإشاعة المزيد من المرونة في أطر العمل النقدية.

ويجب أن يتم هذا عاجلاً، وإلا فإننا سنخوض الحرب الأخيرة بأسلحة تجاوزها الزمن. واتبع الاحتياط الاتحادي نهجا أكثر واقعية في إطار استهدافه قصير الأجل لمتوسط ​​تضخم مرن، لكنه تخلى عنه مع ظهور العلامات الأولى على تضخم خطير العام الماضي. وينفض محافظو البنوك المركزية أيديهم في حالة من اليأس عندما تجعل صدمات الأسعار الخارجية، مثل التي شهدناها في النفط والغاز، توقعاتهم تبدو كما لو كانت وردية. ويواسون أنفسهم بأنه إذا ظل النفط، عند 100 دولار للبرميل مثلا، فيمكنهم القول إن التضخم عابر ببساطة لأن بيانات الأسعار للعام المقبل تظهر عدم استمرار التضخم. والأفضل، إذا انخفض النفط، فحينها، بطريقة سحرية، سيعملون في ظل تضخم أقل من المستهدف.

والتأثيرات الاقتصادية السائدة في هذا القرن حتى الآن انكماشية في ظل العولمة والتقدم التكنولوجي وآلة التصدير الهائلة في الصين وشيخوخة السكان. لكن ماذا لو تغير العالم حقا؟ فقد سلكت عائدات السندات مساراً هبوطياً ثابتاً لجيل كامل. وقد أدى هذا إلى نمذجة نرجسية للتضخم تستبعد إلى حد كبير معايير الغذاء والطاقة وتتخلص من العناصر المتقلبة. وهذه هي الأجزاء التي يتعين علينا فحصها عن كثب الآن.

وتكمن المشكلة في أن القليل مما نواجهه في عالم ما بعد كوفيد موجود في كتاب الاقتصاد القياسي؛ وهو مصدر معظم مناهج البحث للبنوك المركزية. فماذا يحدث إذا ارتفع سعر النفط إلى 150 دولاراً، ثم إلى 200 دولار خلال السنوات القليلة القادمة؟ وتبع هذا النهج الصعودي باقي مجموع السلع؟ ثم يبدأ أي شيء تعتقد السلطات النقدية أن بوسعها السيطرة بلا جدوى. قد تظل أيديهم على عجلة القيادة، لكنها بمثابة نسخة طفل مثبتة في المقعد الخلفي. وإذا لم يستطع المرء التحكم في العوامل الخارجية، فسيتبع ذلك أن يبالغ في الأشياء التي يمكنه العبث بها. وإذا صمد هدفهم الثمين بتحديد التضخم عند 2%، فهذا يعني الاضطرار إلى تهدئة سوق العمل في الداخل. وهذا يعني معدلات فائدة أعلى ومعدلات بطالة أعلى. فما الذي يؤدي إليه أولا إذن؛ هل اضطرابات مدنية أو نموذج ما لرد فعل عفا عليه الزمن؟ فقد ساهمت الموجات الأولى من التيسير الكمي من الاحتياطي الاتحادي، إلى جانب تحفيز كبير من الصين، في مضاعفة مؤشر السلع الأساسية في «مكتب أبحاث السلع»، من أوائل 2009 إلى أوائل 2011.

ودعا هذا محافظي البنوك المركزية إلى إعادة التقييم، لكن الجولات اللاحقة من التيسير الكمي لم تؤد إلى وضوح مفاجئ حول تأثير سحب التحفيز. والتشديد الكمي يكون متردد للغاية في البداية. وما زال الاحتياط الاتحادي يضيف تيسيراً كمياً، ولذا سيظل المخزون العام للحوافز قائما لعقود أخرى. وما تبقى لنا هو موازنة عالمية جماعية للبنوك المركزية أكبر بعشرات التريليونات من الدولارات. وانصب بعض التفكير على ارتفاع أسعار السلع الأولية، لكن حتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء حقيقي لتغيير الطريقة التبسيطية والخاطئة على الأرجح الخاصة بالاقتصار على النظر إلى منحنى التعاقدات الآجلة.

وهناك انفصال مثير للقلق، لأننا ننتظر حرفياً حدوث ذلك لنا قبل أن ننتبه له. واستهداف كلفة المعيشة يمثل هدفاً أساسياً للبنوك المركزية، لكن من أجل من؟ ومع ازدهار أسعار الأصول على مدى العقد الماضي، لن يكون هذا من أجل الخمسين في المئة الذين في القاع. وكان هذا قبل أن نتصدى لعواقب تغير المناخ وتحقيق أهداف صفر صافي من الكربون. لكي نكون منصفين، أشارت عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل مرة أخرى إلى الحاجة إلى البدء في التفكير في التحول الأخضر. وللأسف، هي الوحيدة بين المصرفيين المركزيين التي تخبرنا بالحقيقة حتى الآن.

وبخلاف ذلك، ما الذي تدخله في جدول بياناتك الرياضي فيما يتعلق بعدم الاستقرار السياسي الديناميكي للصراع المحتمل في أوكرانيا؟ فقد أصبح هذا فجأة المحرك الأساسي للغذاء (الحبوب والذرة) والطاقة. وبالمثل، خففت الصين من الإنتاج الصناعي لتحسن صورتها أمام العالم في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، لكن مع انخفاض مخزونات السلع الأولية على مستوى العالم، خاصة في خام الحديد، فبوسع الصين قلب عربة سلعها من تلقاء نفسها واقتصادها المحلي يحتاج بالتأكيد إنعاشا.

وبالتأكيد لا يستطيع المرء إلقاء اللوم فحسب على الاقتصاديين البؤساء الذين يستميتون في تكييف نماذجهم، لكن أيضاً، لا يمكننا فحسب قبول ما تقوله النماذج الصماء. وقد حان الوقت لتخلي خبراء المال عن نهجهم الخاص. ويتعين عليهم التوقف عن التركيز على رقم واحد في مدخل اقتصادي واحد، وعليهم التفكير في نطاقات مرنة واتخاذا إجراءات استباقية غير اعتيادية، مالية وأيضاً نقدية. ويجري الإشادة باستقلال البنوك المركزية باعتباره عنصراً حاسماً في التصدي للتضخم، لكن هذه البنوك ملزمة بواجب الالتزام بأهداف سياسة محددة وضعها السياسيون.

الاستجابة لإخراجنا من وهدة الجائحة حققت نجاحاً كبيراً بسبب التنسيق بين الحكومات والسلطات النقدية، لكنها أدت إلى عواقب تضخمية غير متوقعة. وحان وقت إعادة التفكير في بنية الاعتماد المتبادل وإسقاط الأهداف الحمقاء. فإما التكيف أو الهلاك.

*صحفي متخصص في أسواق المال الأوروبية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»